ظاهرة الغش في الامتحانات وأثرها على المنظومة التربوية

الأسباب التي تــدفع إلى الغــــش :
من أهم الأسباب التي تُعوًد التلاميذ على الغش وتشجيعهم عليه ما يلي:

1- الاختبارات المدرسية ترتكز على الحفظ والاسترجاع للدروس فقط بمعنى أنها تقيس ذاكرة المتعلمين فقط.

2- أن غالبية الأساتذة والمعلمين يحاسبون التلاميذ أثناء عملية التصحيح على مدى وفائهم الحرفي لما قدموه لهم وفق للقاعدة التقليدية “بضاعتي ترد إلى ” لذلك نظرا لصعوبة حفظ الكم الهائل من الدروس واستحالتها في بعض المواد لدى الكثير من التلاميذ جعلهم يلجئون إلى التحايل والغش .

3- نقص المراجعة لدى بعض التلاميذ وانعدامها لدى البعض الآخر ولجوئهم إليها في الأيام الأخيرة قبل الاختبار وهو ما جعلهم يجدون أنفسهم أمام حجم كبير من الدروس المتراكمة فينتابهم الشعور بالعجز والصعوبة في مراجعتها وفهمها في تلك المدة القصيرة لذلك يلجأون إلى التكهن والتوقع للدروس المحتملة في الاختبار  فيركزون على بعض منها دون أخرى .
ونتيجة للشعور بعدم الثقة بالنفس التي تستولي على الكثير من المتعلمين للأسباب السابقة الذكر أصبح الحل السهل أمامهم هو التفكير في كيفية التحايل والغش لسد النقائص التي يعانون منها .

4- التعلق الكبير بالنقطة ودورها الاجتماعي من خلال التباهي والتفاخر بين الأسر والمتعلمين جعل الكثير من الأولياء يهددون أبنائهم بالعقاب والانتقام إذا لم يحصلوا على أكبر معدل وأحسن النتائج، فيجد المتعلمون أنفسهم مجبرين ومدفوعين إلى عدم الاكتفاء بمجهوداتهم الخاصة بل يلجئون إلى استعمال كل الوسائل التي توصلهم إلى تحقيق النتيجة التي ترضى أوليائهم ولو كانت لا تعبر على مستواهم الحقيقي وما أكثرهم.

5- تساهل بعض الأساتذة والمعلمين مع محاولات الغش وتواطؤ البعض الآخر معهم أثناء حراستهم في الامتحانات والاختبارات  خاصة الرسمية منها مثل( امتحانات السنة السادسة أساسي ، شهادة التعليم الأساسي ، البكالوريا وحتى الامتحانات الجامعية والمسابقات الرسمية لمختلف الأسلاك… ).
ولذلك تتحول الحراسة في بعض الأحيان من حراسة التلاميذ إلى حراسة رؤساء المراكز والمشرفين عليها حتى لا ينكشف أمرهم ، والغريب في الأمر أن الكثير من التلاميذ يتباهون ويشكرون هذا النوع من الحراس على مساهمتهم الفعالة ، ويكرهون أولئك الذين يلتزمون بالصرامة ويؤدون واجبهم كما ينبغي . حتى بعض الأولياء يفرحون بذلك ويسايرون أبناءهم في هذا المسعى بل هناك من يوصى الحراس على التساهل لضمان نجاح أبنائهم .
والخطأ الكبير الذي يراه بعض أساتذة التعليم الثانوي خاصة المصححين لاختبارات شهادة البكالوريا الذين اكتشفوا العديد من المرات لحالات الغش لدى الكثير من التلاميذ ، يكمن في تكليف معلمي التعليم الابتدائي بحراسة شهادة البكالوريا دون أن يكون بينهم في بعض المراكز أي أستاذ من التعليم الثانوي حيث أن بعضهم لا يقدر خطر هذا التساهل في الغش ، والبعض الآخر صغير السن وقليل التجربة لا يقدر درجة المسؤولية الملقاة عليه .

6- تشدد بعض الأساتذة في التنقيط بشكل مبالغ ولا علاقة له بالتقويم الموضوعي كوضع حد أدنى للنقطة لا يتجاوز 14/20 مهما كانت إجابات التلاميذ صحيحة 100%. والبعض الآخر يتشدد كوسيلة ابتزاز ومساومة لتحقيق أغراض خاصة مثل ما يحدث في ما يسمى بالدروس الخاصة(حيث حسب بعض التلاميذ والأولياء الذين استجوبناهم في الموضوع يقولون أن أساتذة بعض المواد يعطون نقاط جيدة لزملائهم الذين سجلوا أنفسهم في دروس الدعم التي ينظمها ويحرم الآخرين منها ولو كانوا متفوقين لدفعهم إلى الالتحاق بدروسه الخاصة) . لذلك يجد الطلبة أنفسهم أمام وضع يدفعهم إلى التفكير في الغش كحل ضروري حسب اعتقادهم.

7- العوامل التقنية المشجعة على الغش ما يلي :
أ. الجلوس الثنائي في طاولة واحــدة ( خاصة الفروض المحروسة والاختبارات العادية )
ب. كثافة عدد التلاميذ داخل الحجرة الواحدة بحيث يصعب التحكم فيه ( خاصة الاختبارات التي تنظم في الجامعات ) .
جـ. نقــص عــدد الحـــراس في بعض الأحيان يجعل عملية الحراسة صعبة للغاية خاصة في المدرجات .
د. تكليف أطراف إداريــة أو شبــه إداريـة ليس لديهم تكوين بيداغوجي يؤهلهم لتقدير الأهمية التربوية للامتحانــات .

أخطـــار الغــــش على المستقبل الدراسـي للمتعلم وعلى المنظومة التربوية :

1- على التلاميـــــذ:
تتمثل الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة على المستقبل الدراسي للمتعلم في ما يلي :
* أنها تشـــوه مستــواه الدراســي الحقيقـي وبالتالي تجعله يغتر بنفسه .
* أن نجاحه في مساره الدراسي مشكوك وغير مضمون نتيجة للصعوبات التي ستواجهه في المستويات العليا التي انتقل إليها نتيجة فقدانه للقاعــدة الأساسية في المواد التعليمية التي درسها .
بدليل أن الكثير من الأولياء يتفاجأون بنتائج أبنائهم حينما تنخفض بشكل ملفت للانتباه ( مثلا من بين الحالات التي عايناها تلاميذ تحصلوا في التعليم الأساسي على معدلات تتراوح بين 14 و 16 /20 في المعدل العام و في المواد الأساسية ( الأدبية والعلمية ) بينما حينما درسوا في التعليم الثانوي أصبحوا يتحصلون على معدلات تتراوح بين 7 و 8 /20 سواء في المعدل العام أو في  نفس المواد الأساسية السالفة الذكر .
* أنها تنمى في المتعلم روح التكاسل ، التهاون ، وعدم الاجتهاد في الدراسة والاعتماد على الغير و هو ما يجعل سلوكه الاجتماعي والأخلاقي عند سن الرشد وعند تقلده المسؤوليات مهيأ وله القابلية للتحايل والغش بل ستكون أحد أسس حياته بما أنه مقتنع بأنه ليست له القدرات المؤهلة لمنافسة غيره أو لإثبات وجوده وما أكثر هؤلاء في إداراتنا.

2- على المنظومة التربوية:
أما الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة على المنظومة التربوية تتمثل في:
* تكريس الرداءة و السلبية في العمل التربوي .
* تفاقم ظاهرة ضعف المستوى الدراسي .
* ضعف نسب النجاح وارتفاع نسب التسرب المدرسي و التي تشكل عبئا ثقيلا على المنظومة التربوية من خلال كثافة الأفواج التربوية بسبب ارتفاع نسب الإعادة .
* فقدان السمعة الطيبة والمصداقية للمجرسة والجامعة الجزائرية كما هي عليه الآن .

الإجراءات الوقائيــة والعلاجيــــة لظاهرة الغش :
للتقليل من مفعول هذه الظاهرة ومحاربتها بشكل جذري تستلزم عدة إجراءات تربوية و تنظيمية تتكاثف فيها جهود جميع أطراف الجماعة التربوية (أولياء، أساتذة ومعلمين، إدارة، تلاميذ ومستشاري التوجيه المدرسي على مستوى المدارس ورؤساء الأقسام ومسؤولي الشعب والأساتذة على مستوى الجامعات) وتتمثل هذه الإجراءات فيما يلي :

1- الإجراءات البيداغوجية:
أ. تحسيس وتوعية التلاميذ والأولياء والمربين جميعا بالأهمية التربوية والبيداغوجية للامتحانات والاختبارات ودورها في تقدير المستوى الدراسي ومعرفة جوانب النقص والقوة وتحسيسهم حول خطورة ظاهرة الغش على المستوى العلمي والمهاري والشخصي للمتعلمين.
ب. مساعدة التلاميذ عن طريق تعريفهم بمنهجية واستراتيجية المراجعة من خلال وضع روزنامة للمراجعة المستمرة لجميع الدروس قصد تعزيز ثقتهم بأنفسهم وضمان استعدادهم الدائم لكل الأسئلة والفروض أو الاختبارات .
جـ. تجنب الأسئلة التقليدية التي تعتمد على الحفظ الببّغائي للدروس مع الاعتماد على الأسئلة التي تقيس المستويات العقلية الأخرى ( كالفهم ، التحليل ، التطبيق ، التركيب ، الاستنتاج )لتدريب المتعلمين على كيفية توظيف المعلومات التي تعلموها واستوعبوها في حل مشكلات مطروحة.
د. تجنب العقلية التي تلزم المتعلمين التقيد الحرفي بما قدم له من طرف الأستاذ من معلومات وطرق وفق المبدأ الشائع ” بضاعتي ترد إلى ” بل تعويد التلميذ على الاجتهاد والإبداع في إيجاد الجواب الصحيح  والمطلوب حسب مراجعاته ومعلوماته الخاصة{ لأن الفائدة من عملية التعلم ليس تخزين المعلومات واسترجاعها بل كل الفائدة تتمثل في تنمية القدرة على التفكير العلمي والموضوعي و في القدرة على التوظيف للمكتسبات العلمية في حل المشكلات  الحياتية والدراسية المتنوعة}.
هـ. وضع سلم تصحيح دقيق لكل أبعاد كل سؤال مع الإجابات النموذجية المحتملة لكل سؤال من أجل الموضوعية في التقييم و السماح حتى للمتعلم بتنقيط نفسه بنفسه.
د. تعويد المتعلمين على إنجاز أعمالهم بأنفسهم ولو كانت فيها صعوبات ،على أن تقتصر عملية المساعدة على التوجيهات والإرشادات حول منهجية العمل فقط لتنمية فيهم روح الاعتماد على النفس(مسؤولية الأولياء في البيت).

صفحات: 1 2 3 4

مقالات ذات صله