قصيدة تفت فؤادك الأيام فتا

أبو إسحاق الألبيري

 تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا
وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ
أَراكَ تُحِبُّ عِرساً ذاتَ غَدرٍ
تَنامُ الدَهرَ وَيحَكَ في غَطيطٍ
فَكَم ذا أَنتَ مَخدوعٌ وَحَتّى
أَبا بَكرٍ دَعَوتُكَ لَو أَجَبتا
إِلى عِلمٍ تَكونُ بِهِ إِماماً
وَتَجلو ما بِعَينِكَ مِن عَشاها
وَتَحمِلُ مِنهُ في ناديكَ تاجاً
يَنالُكَ نَفعُهُ مادُمتَ حَيّاً
هُوَ العَضبُ المُهَنَّدُ لَيسَ يَنبو
وَكَنزاً لا تَخافُ عَلَيهِ لِصّاً
يَزيدُ بِكَثرَةِ الإِنفاقِ مِنهُ
فَلَو قَد ذُقتَ مِن حَلواهُ طَعماً
وَلَم يَشغَلَكَ عَنهُ هَوى مُطاعٌ
وَلا أَلهاكَ عَنهُ أَنيقُ رَوضٍ
فَقوتُ الروحِ أَرواحُ المَعاني
فَواظِبهُ وَخُذ بِالجِدِّ فيهِ
وَإِن أوتيتَ فيهِ طَويلَ باعٍ
فَلا تَأمَن سُؤالَ اللَهِ عَنهُ
فَرَأسُ العِلمِ تَقوى اللَهِ حَقّاً
وَضافي ثَوبِكَ الإِحسانُ لا أَن
إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيراً
وَإِن أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ
سَتَجني مِن ثِمارِ العَجزِ جَهلاً
وَتُفقَدُ إِن جَهِلتَ وَأَنتَ باقٍ
وَتَذكُرُ قَولَتي لَكَ بَعدَ حينٍ
لَسَوفَ تَعَضُّ مِن نَدَمٍ عَلَيها
إِذا أَبصَرتَ صَحبَكَ في سَماءٍ
فَراجِعها وَدَع عَنكَ الهُوَينى
وَلا تَحفِل بِمالِكَ وَاِلهُ عَنهُ
وَلَيسَ لِجاهِلٍ في الناسِ مَعنىً
سَيَنطِقُ عَنكَ عِلمُكَ في نَدِيٍّ
وَما يُغنيكَ تَشيِيدُ المَباني
جَعَلتَ المالَ فَوقَ العِلمِ جَهلاً
وَبَينَهُما بِنَصِّ الوَحيِ بَونٌ
لَئِن رَفَعَ الغَنيُّ لِواءَ مالٍ
وَإِن جَلَسَ الغَنيُّ عَلى الحَشايا
وَإِن رَكِبَ الجِيادَ مُسَوَّماتٍ
وَمَهما اِفتَضَّ أَبكارَ الغَواني
وَلَيسَ يَضُرُّكَ الإِقتارُ شَيئاً
فَما عِندَهُ لَكَ مِن جَميلٍ
فَقابِل بِالقَبولِ صَحيحَ نُصحي
وَإِن راعَيتَهُ قَولاً وَفِعلاً
فَلَيسَت هَذِهِ الدُنيا بِشَيءٍ
وَغايَتُها إِذا فَكَرَّت فيها
سُجِنتَ بِها وَأَنتَ لَها مُحِبٌّ
وَتُطعِمُكَ الطَعامَ وَعَن قَريبٍ
وَتَعرى إِن لَبِستَ لَها ثِياباً
وَتَشهَدُ كُلَّ يَومٍ دَفنَ خِلٍّ
وَلَم تُخلَق لِتَعمُرها وَلَكِن
وَإِن هُدِمَت فَزِدها أَنتَ هَدماً
وَلا تَحزَن عَلى ما فاتَ مِنها
فَلَيسَ بِنافِعٍ ما نِلتَ فيها
وَلا تَضحَك مَعَ السُفَهاءِ لَهواً
وَكَيفَ لَكَ السُرورُ وَأَنتَ رَهنٌ
وَسَل مِن رَبِّكَ التَوفيقَ فيها
وَنادِ إِذا سَجَدتَ لَهُ اِعتِرافاً
وَلازِم بابَهُ قَرعاً عَساهُ
وَأَكثِر ذِكرَهُ في الأَرضِ دَأباً
وَلا تَقُل الصِبا فيهِ مَجالٌ
وَقُل لي يا نَصيحُ لَأَنتَ أَولى
تُقَطِّعُني عَلى التَفريطِ لَوماً
وَفي صِغَري تُخَوِّفُني المَنايا
وَكُنتَ مَعَ الصِبا أَهدى سَبيلاً
وَها أَنا لَم أَخُض بَحرَ الخَطايا
وَلَم أَشرَب حُمَيّاً أُمِّ دَفرٍ
وَلَم أَحلُل بِوادٍ فيهِ ظُلمٌ
وَلَم أَنشَأ بِعَصرٍ فيهِ نَفعٌ
وَقَد صاحَبتَ أَعلاماً كِباراً
وَناداكَ الكِتابُ فَلَم تُجِبهُ
لَيَقبُحُ بِالفَتى فِعلُ التَصابي
فَأَنتَ أَحَقُّ بِالتَفنيدِ مِنّي
وَنَفسَكَ ذُمَّ لا تَذمُم سِواها
فَلَو بَكَت الدَما عَيناكَ خَوفاً
وَمَن لَكَ بِالأَمانِ وَأَنتَ عَبدٌ
ثَقُلتَ مِنَ الذُنوبِ وَلَستَ تَخشى
وَتُشفِقُ لِلمُصِرِّ عَلى المَعاصي
رَجَعتَ القَهقَرى وَخَبَطتَ عَشوا
وَلَو وافَيتَ رَبَّكَ دونَ ذَنبٍ
وَلَم يَظلُمكَ في عَمَلٍ وَلَكِن
وَلَو قَد جِئتَ يَومَ الفَصلِ فَرداً
لَأَعظَمتَ النَدامَةَ فيهِ لَهَفاً
تَفِرُّ مِنَ الهَجيرِ وَتَتَّقيهِ
وَلَستَ تُطيقُ أَهوَنَها عَذاباً
فَلا تُكذَب فَإِنَّ الأَمرَ جِدٌّ
أَبا بَكرٍ كَشَفتَ أَقَلَّ عَيبي
فَقُل ما شِئتَ فيَّ مِنَ المَخازي
وَمَهما عِبتَني فَلِفَرطِ عِلمي
فَلا تَرضَ المَعايِبَ فَهِيَ عارٌ
وَتَهوي بِالوَجيهِ مِنَ الثُرَيّا
كَما الطاعاتُ تَنعَلُكَ الدَراري
وَتَنشُرُ عَنكَ في الدُنيا جَميلاً
وَتَمشي في مَناكِبَها كَريماً
وَأَنتَ الآن لَم تُعرَف بِعابٍ
وَلا سابَقتَ في ميدانِ زورٍ
فَإِن لَم تَنأَ عَنهُ نَشِبتَ فيهِ
وَدَنَّسَ ما تَطَهَّرَ مِنكَ حَتّى
وَصِرتَ أَسيرَ ذَنبِكَ في وَثاقٍ
وَخَف أَبناء جِنسِكَ وَاِخشَ مِنهُم
وَخالِطهُم وَزايلهُم حِذاراً
وَإِن جَهِلوا عَلَيكَ فَقُل سَلاماً
وَمَن لَكَ بِالسَلامَةِ في زَمانٍ
وَلا تَلَبَث بِحَيٍّ فيهِ ضَيمٌ
وَغَرِّب فَالغَريبُ لَهُ نَفاقٌ
وَلَو فَوقَ الأَميرِ تَكونُ فيها
وَإِن فَرَّقتَها وَخَرَجتَ مِنها
وَإِن كَرَّمتَها وَنَظَرتَ مِنها
جَمَعتُ لَكَ النَصائِحَ فَاِمتَثِلها
وَطَوَّلتُ العِتابَ وَزِدتُ فيهِ
فَلا تَأخُذ بِتَقصيري وَسَهوي
وَقَد أَردَفتُها سِتّاً حِساناً
 وَتَنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا
أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريدُ أَنتا
أَبَتَّ طَلاقَها الأَكياسُ بَتّا
بِها حَتّى إِذا مِتَّ اِنتَبَهنا
مَتى لا تَرعَوي عَنها وَحَتّى
إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
مُطاعاً إِن نَهَيتَ وَإِن أَمَرتا
وَتَهديكَ السَبيلَ إِذا ضَلَلتا
وَيَكسوكَ الجَمالَ إِذا اِغتَرَبتا
وَيَبقى ذُخرُهُ لَكَ إِن ذَهَبتا
تُصيبُ بِهِ مَقاتِلَ ضَرَبتا
خَفيفَ الحَملِ يوجَدُ حَيثُ كُنتا
وَينقُصُ أَن بِهِ كَفّاً شَدَدتا
لَآثَرتَ التَعَلُّمَ وَاِجتَهَدتا
وَلا دُنيا بِزُخرُفِها فُتِنتا
وَلا خِدرٌ بِرَبرَبِهِ كَلِفتا
وَلَيسَ بِأَن طَعِمتَ وَأِن شَرِبتا
فَإِن أَعطاكَهُ اللَهُ أَخَذتا
وَقالَ الناسُ إِنَّكَ قَد سَبَقتا
بِتَوبيخٍ عَلِمتَ فَهَل عَمِلتا
وَلَيسَ بِأَن يُقال لَقَد رَأَستا
تُرى ثَوبَ الإِساءَةِ قَد لَبِستا
فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتا
فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا
وَتَصغُرُ في العُيونِ إِذا كَبُرتا
وَتوجَدُ إِن عَلِمتَ وَقَد فُقِدتا
وَتَغبِطُها إِذا عَنها شُغِلتا
وَما تُغني النَدامَةُ إِن نَدِمتا
قَد اِرتَفَعوا عَلَيكَ وَقَد سَفَلتا
فَما بِالبُطءِ تُدرِكُ ما طَلَبتا
فَلَيسَ المالُ إِلّا ما عَلِمتا
وَلَو مُلكُ العِراقِ لَهُ تَأَتّى
وَيُكتَبُ عَنكَ يَوماً إِن كَتَبتا
إِذا بِالجَهلِ نَفسَكَ قَد هَدَمتا
لَعَمرُكَ في القَضيَّةِ ماعَدَلتا
سَتَعلَمُهُ إِذا طَهَ قَرَأتا
لَأَنتَ لِواءَ عِلمِكَ قَد رَفَعتا
لَأَنتَ عَلى الكَواكِبِ قَد جَلَستا
لَأَنتَ مَناهِجَ التَقوى رَكِبتا
فَكَم بِكرٍ مِنَ الحِكَمِ اِفتَضَضتا
إِذا ما أَنتَ رَبَّكَ قَد عَرَفتا
إِذا بِفِناءِ طاعَتِهِ أَنَختا
فَإِن أَعرَضتَ عَنهُ فَقَد خَسِرتا
وَتاجَرتَ الإِلَهَ بِهِ رَبِحتا
تَسوؤُكَ حُقبَةً وَتَسُرُّ وَقتا
كَفَيئِكَ أَو كَحُلمِكَ إِن حَلَمتا
فَكَيفَ تُحِبُّ ما فيهِ سُجِنتا
سَتَطعَمُ مِنكَ ما مِنها طَعِمتا
وَتُكسى إِن مَلابِسَها خَلَعتا
كَأَنَّكَ لا تُرادُ بِما شَهِدتا
لِتَعبُرَها فَجِدَّ لِما خُلِقتا
وَحَصِّن أَمرَ دينِكَ ما اِستَطَعتا
إِذا ما أَنتَ في أُخراكَ فُزتا
مِنَ الفاني إِذا الباقي حُرِمتا
فَإِنَّكَ سَوفَ تَبكي إِن ضَحِكتا
وَلا تَدري أَتُفدى أَم غَلِقتا
وَأَخلِص في السُؤالِ إِذا سَأَلتا
بِما ناداهُ ذو النونِ بنُ مَتّى
سَيفتَحُ بابَهُ لَكَ إِن قَرَعتا
لِتُذكَرَ في السَماءِ إِذا ذَكَرتا
وَفَكِّر كَم صَغيرٍ قَد دَفَنتا
بِنُصحِكَ لَو بِعَقلِكَ قَد نَظَرتا
وَبِالتَفريطِ دَهرَكَ قَد قَطَعتا
وَما تَجري بِبالِكَ حينَ شِختا
فَما لَكَ بَعدَ شَيبِكَ قَد نُكِستا
كَما قَد خُضتَهُ حَتّى غَرِقتا
وَأَنتَ شَرِبتَها حَتّى سَكِرتا
وَأَنتَ حَلَلتَ فيهِ وَاِنهَمَلتا
وَأَنتَ نَشَأتَ فيهِ وَما اِنتَفَعتا
وَلَم أَرَكَ اِقتَدَيتَ بِمَن صَحِبتا
وَنَهنَهَكَ المَشيبُ فَما اِنتَبَهتا
وَأَقبَحُ مِنهُ شَيخٌ قَد تَفَتّى
وَلو سَكَتَ المُسيءُ لَما نَطَقتا
بِعَيبٍ فَهِيَ أَجدَرُ مَن ذَمَمتا
لِذَنبِكَ لَم أَقُل لَكَ قَد أَمِنتا
أُمِرتَ فَما اِئتَمَرتَ وَلا أَطَعتا
لِجَهلِكَ أَن تَخِفَّ إِذا وُزِنتا
وَتَرحَمُهُ وَنَفسَكَ ما رَحِمتا
لَعَمرُكَ لَو وَصَلتَ لَما رَجَعتا
وَناقَشَكَ الحِسابَ إِذاً هَلَكتا
عَسيرٌ أَن تَقومَ بِما حَمَلتا
وَأَبصَرتَ المَنازِلَ فيهِ شَتّى
عَلى ما في حَياتِكَ قَد أَضَعتا
فَهَلّا عَن جَهَنَّمَ قَد فَرَرتا
وَلَو كُنتَ الحَديدَ بِها لَذُبتا
وَلَيسَ كَما اِحتَسَبتَ وَلا ظَنَنتا
وَأَكثَرَهُ وَمُعظَمَهُ سَتَرتا
وَضاعِفها فَإِنَّكَ قَد صَدَقتا
بِباطِنَتي كَأَنَّكَ قَد مَدَحتا
عَظيمٌ يُورِثُ الإِنسانَ مَقتا
وَتُبدِلُهُ مَكانَ الفَوقِ تَحتا
وَتَجعَلُكَ القَريبَ وَإِن بَعُدتا
فَتُلفى البَرَّ فيها حَيثُ كُنتا
وَتَجني الحَمدَ مِمّا قَد غَرَستا
وَلا دَنَّستَ ثَوبَكَ مُذ نَشَأتا
وَلا أَوضَعتَ فيهِ وَلا خَبَبتا
وَمَن لَكَ بِالخَلاصِ إِذا نَشِبتا
كأَنَّكَ قَبلَ ذَلِكَ ما طَهُرتا
وَكَيفَ لَكَ الفُكاكُ وَقَد أُسِرتا
كَما تَخشى الضَراغِمَ وَالسَبَنتى
وَكُن كالسامِريَّ إِذا لَمِستا
لَعَلَّكَ سَوفَ تَسلَمُ إِن فَعَلتا
يَنالُ العُصمَ إِلّا إِن عُصِمتا
يُميتُ القَلبَ إِلا إِن كُبِّلتا
وَشَرِّق إِن بَريقَكَ قَد شَرِقتا
سُمُوّاً وَاِفتِخاراً كُنتَ أَنتا
إِلى دارِ السَلامِ فَقدَ سَلِمتا
بِإِجلالٍ فَنَفسَكَ قَد أَهَنتا
حَياتَكَ فَهِيَ أَفضَلُ ما اِمتَثَلتا
لِأَنَّكَ في البَطالَةِ قَد أَطَلتا
وَخُذ بِوَصِيَّتي لَكَ إِن رَشَدتا
وَكانَت قَبلَ ذا مِئَةً وَسِتّا

 

مقالات ذات صله