النظافة والتجمل والصحة

خلق المسلم-محمد الغزالي

على المسلم فى كل ساعة من عمره أن يسعى نحو الكمال ، وأن يُحثّ
إلى الارتقاء المادّى والنّفسى ، فإن مستقبله عند الله مرتبط بالمرحلة التى يبلغها فى تقدّمه ؛ إن
أدركه الموت وهو فى القمّة كان من أصحاب الفردوس الأعلى ، وإن أدركه وهو مقتصد ينقل خطاه
فى السفوح القريبة كان بحسبه أن ينجو. وإن أدركه وقد رجع القهقرى وضل الغاية تخطّفته زبانية
العذاب الأليم ، ومن كان فى هذه أعمى حشر يوم العرض أعمى ، ومن كان قذرا بعث كذلك . وقد
بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرجل الحريص على نقاوة بدنه ووضاءة وجهه ونظافة
أعضائه يبعث على حاله تلك ، وضىء الوجه ، أغرّ الجبين ، نقيّ البدن والأعضاء !! عن أبى هريرة أن
النبى صلى الله عليه وسلم زار المقابر ، فقال: ” السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء
الله بكم عن قريب لاحقون. وددت أنا قد رأينا إخواننا ، قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابى ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ،قالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال:
أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهرى خيل دهم بهم ، ألا يعرف خيله ؟ قالوا: بلى يا
رسول الله ، قال: فإنهم يأتون غرّا محجلين من الوضوء ” .

إن صحّة الأجسام وجمالها ونضرتها من
الأمور التى وجّه الإسلام إليها عناية فائقة ، واعتبرها من صميم رسالته ، ولن يكون الشخص راجحا
فى ميزان الإسلام ، مُحترم الجانب إلا إذا تعهد جسمه بالتنظيف والتهذيب ، وكان فى مطعمه
ومشربه وهيئته الخاصة ، بعيدا عن الأدران المكدرة والأحوال المنفّرة ، وليست صحة الجسد وطهارته
صلاحا ماديا فقط ، بل إن أثرها عميق فى تزكية النفس ، وتمكين الإنسان من النهوض بأعباء الحياة.
وما أحوج أعباء الحياة إلى الجسم الجلد والبدن القوى الصّبور . كرّم الإسلام البدن ، فجعل طهارته
التّامة أساسا لابد منه لكل صلاة وجعل الصلاة واجبة خمس مرات فى اليوم ، وكلّف المسلم أن
يغسل جسمه كله غسلا جيّدا في أحيان كثيرة تلابسه غالبا ، وتلك هي الطّهارة الكاملة ، وفى
الأحوال
المعتادة اكتفى بغسل الأعضاء والأطراف التى تتعرض لغبار الجو ، ومعالجة شتى الأشغال ، أو التى
يُكثر الجسم إفرازاته منها: “يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطّهروا” . والطريقة التى شرعها
الإسلام لإبقاء الجسم نظيفا فى كل وقت تقوم على ربط الغسل الواجب بأحوال الطبيعة المادية
فى الإنسان ، فلو كان الإنسان روحا فقط ما احتاج إلى متابعة الغسل والتنقية والتطهير. أما وهو
مستقر فى هذا الغلاف المادي المتكون من تربة الأرض ، تلك الأرض التي يحيا فوقها ،ويتغذّى من
نباتها وحيوانها ، ويترك فضلات معدته فيها ، ويثوى آخر الأمر فى ثراها أما
وهو كذلك ، فقد ناط الإسلام الوضوء المفروض بأعراض هذه الطبيعة المادية ، وبكل ما ينشأ عن دورة الطعام فى الجسم

صفحات: 1 2 3

مقالات ذات صله