النظافة والتجمل والصحة

 وعن عطاء بن يسار قال: أتى رجل للنّبي صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس واللحية: فأشار إليه
الرسول ? كأنه يأمره بإصلاح شعره ، ففعل ثم رجع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
“أليس هذا خيرا من أن يأتى أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان ” . وعن جابر بن عبد الله: ” رأى النبيّ
صلى الله عليه وسلم رجلا رأسه شعث : فقال : ” أما وجد هذا ما يسكن به شعره ” ورأى آخر
عليه ثياب وسخة فقال: ” أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه ؟! ” . إن الأناقة فى غير سرف ، والتجمل
فى غير صناعة وتزويق ، وإحسان “الشكل” بعد إحسان “الموضوع” من تعاليم الإسلام ، الذى ينشد
لبنيه علو المنزلة وجمال الهيئة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يدخل الجنة من
كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة ،
فقال : إن الله تعالى جميل يحب الجمال ” . وفى رواية أن رجلا جميلا. أتى النبى صلى الله عليه
وسلم فقال: إنى أحب الجمال ، وقد أعطيت منه ما ترى. حتى ما أحب أن يفوقني أحد بشراك
نعل ! أفمن الكبر ذلك يا رسول الله ؟ قال: ” لا . ولكن الكبر بطر الحق وغمض الناس ” . وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم دقيق الملاحظة فى هذه الناحية. فإذا رأى مسلما يهمل تجميل
نفسه وتنسيق هيئته نهاه عن الاسترسال فى هذا التبذل ، وأمره أن يرتدى ألبسة أفضل .

عن جابر بن عبد الله: “نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صاحب لنا يرعى ظهرا لنا! وعليه
بردان قد أخلقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما له غير هذين؟ فقلت: بلى ، له ثوبان
فى العبية كسوته إياهما: فقال: ادعه فليلبسهما ، فلبسهما ، فلما ولى قال رسول الله: ماله؟ضرب
الله عنقه أليس
هذا خيرا؟ فسمعه الرجل ، فقال: فى سبيل الله يا رسول الله!! فقال: فى
سبيل الله!.. فقتل الرجل فى سبيل الله ” . إن هذا الرجل أدرك حقيقة المداعبة الناصحة التى
ساقها النبى صلى الله عليه وسلم إليه ، فاستفاد منها ، ويبدو أنه كان ممن تذهلهم المعايش
عن العناية بشئونهم الخاصة ولكن مهما

تكاثرت الأشغال والمتاعب على الإنسان ، فلا ينبغى أن ينسى واجب الالتفات إلى زيّه ونظافته
واكتماله . وبعض محترفي التدين يحسبون فوضى الملبس واتساخه ضربا من العبادة ، وربما تعمدوا
ارتداء المرقعات والتزيّن بالثياب المهملة ليظهروا زهدهم فىي الدنيا وحثهم للأخرى. وهذا من
الجهل الفاضح بالدين ، والافتراء على تعاليمه . حدثنا ابن عباس قال: لما خرجت الحرورية أتيت عليا
رضى الله عنه فقال: ائت هؤلاء القوم: فلبست أحسن ما يكون من حلل اليمن ، فلقيتهم فقالوا:
مرحبا بك يا ابن عباس ، ما هذه الحلة ؟ قلت: ما تعيبون على ! لقد رأيت على رسول الله صلى
الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل ” . وعن البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
مربوعا ، وقد رأيته فى حلة حمراء ما رأيت شيئا أحسن منه قط . وقد امتد هذا التطهير والتجميل
من أشخاص المسلمين إلى بيوتهم وطرقهم فإن الإسلام نبه إلى تخلية البيوت من الفضلات
والقمامات ، حتى لا تكون مباءة للحشرات ، ومصدرا للعلل: وكان اليهود يفرطون فى هذا الواجب
فحذر المسلمون من التشبه بهم . روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى طيب يحب الطيب ، نظيف يجب النظافة ، كريم يجب الكرم ، جواد يحب الجود ، فنظفوا أفنيتكم ولا
تشبهوا باليهود”. وإماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان: وقد اعتبر هذا العمل الخفيف
الجليل صلاة مرة ، وصدقة مرة أخرى . ففى الحديث: “حملك عن الضعيف صلاة ، وإنحاؤك الأذى عن
الطريق صلاة”. وفى حديث آخر : ” . . . بكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن
الطريق صدقة ” . أي إزالة الأذى من حجر أو شوك أو نجاسة أو ما شابه ذلك.
إن عناية الإسلام بالنظافة والصحة جزء من عنايته بقوة المسلمين المادية والأدبية ، فهو يتطلب
أجساما تجرى في عروقها دماء العافية ، ويمتلئ أصحابها فتوة ونشاطا ، فإن الأجسام المهزولة لا
تطيق عبئا ، والأيدي المرتعشة لا تقدم خيرا . وللجسم الصحيح أثر ، لا في سلامة التفكير فحسب ،
بل في تفاؤل الإنسان مع الحياة والناس.. ورسالة الإسلام أوسع فى أهدافها وأصلب فى كيانها
من أن تحيا في أمة مرهقة ، موبوءة عاجزة . ومن أجل ذلك حارب الإسلام المرض، ووضع العوائق
أمام جراثيمه حتى لا تنتشر ،فينتشر معها الضعف والتراخي والتشاؤم وتستنزف فيها قوى البلاد
والشعوب . وقد وفر الإسلام أسباب الوقاية بما شرع من قواعد النظافة الدائمة على
ما رأيتثم
بما رسم من حياة رتيبة يلتزم المسلم السير عليها ؛ فهو يستيقظ مع الفجر ، ويبتعد عن السهر ،
ويتحامى مزالق الشهوة ، ويقتصد في أطعمته ، ويستعف فى معيشته وسيرته ، ويجدد نشاطه
بالصلوات فى اليوم: والصيام في كل عام . ولا تنس أن البعد عن المعاصي حصانة كبرى من
الأمراض الخبيثة ، وإذا وقع امرؤ في براثن المرض وجب عليه أن يعالجه حتى ينجو منه. والإسلام
يرشد الناس إلى التماس الأدوية الناجعة لما يحيق بهم من آلام : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ” ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء”. وقال: ” إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء ، فتداووا ، ولا تداووا بحرام ” . وقال: ” إن لكل داء دواء ، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله ” . وحرم
الإسلام الالتجاء إلى الخرافات في طلب الشفاء ؟ فإن لكل علم أهلا يحسنونه ، ويجب الاستماع
إليهم. أما الدجالون الذين يقحمون أنفسهم فيما لا ينبغي لهم فلا يسوغ لمسلم أن يقصدهم أو
يصدق مزاعمهم . عن عقبة بن عامر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” من
علق تميمة فلا أتم الله له ، ومن علق ودعة فلا أودع الله له. ”
ومع ذلك فإن طب التمائم والودع ،والحجب المكتوبة ، والتعاويذ المسحورة تلقى بين العامة رواجا !
وقد عدها الإسلام ضربا من الشرك بالله ، لأنها بقية من الجاهلية الت كانت تنسب إلى الأوهام ما
لا يُعقل . روى عقبة أيضا: أن ركبا من عشرة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايعه ،
فبايع ، رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة وأمسك عن رجل منهم ! فقالوا: ما شأنه؟ فقال:
إن فى عضده تميمة ، فقطع الرجل التميمة ، فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: ”
من علق فقد أشرك”!. ومن وسائل الوقاية الحكمة التى شرعها الإسلام إيجابه قضاء الحاجة فى
أماكن معزولة حتى تذهب الفضلات الحيوانية فى مستقر سحيق ، فلا يتلوث بها ماء ، ولا يتنجس
طريق ولا مجلس ! ولو أن المسلمين ،أخذوا أنفسهم بهذا الأدب الجليل لنحوا من غوائل الأدواء
التى هدَّت قواهم ، وأنهكت قراهم ، وجشمتهم العنت الكبير . فعن جابر عن النبيّ صلى الله عليه
وسلم أنه نهى أن يبال في الماء الراكد . وعنه أيضا: نهى أن يبال في الماء الجاري . وعن معاذ:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اتقوا الملاعن الثلاث : البراز فى الموارد ، وقارعة
الطريق ، والظل ” . أي أن هذه الأمور تجلب على فاعلها اللعنة ، والشخص الذي يتخلى في
الطريق العامة ساقط المروءة ، فهو يأتي فعلا يثير الاشمئزاز ، ويستوجب السخط . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم ” . وفى رواية
: ” من غسل سخيمته على طريق من طرق المسلمين فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
” . وهذه المنهيات كلها أساس انتشار الأمراض المتوطنة لدينا نحن المسلمين ، إذ أن العوام
استهانوا بها فجرت عليهم الوبال.
وقد وضع الإسلام قواعد الحجر الصحي ، فإذا ظهر مرض مُعد فى بلد ما ، ضرب حوله حصارا شديدا ،
فمنع الدخول فيه والخروج منه ، وذلك حتى تنكمش رقعة الداء فى أضيق نطاق . قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ” إذا سمعتم بالطاعون ظهر بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها
فلا تخرجوا منها ” . وقد واسى الإسلام سكان البلد الموبوء ،وحبب إليهم المكث فيه فإن الرغبة
في النجاة تزين للكثير أن يفر منه خلسة ، وتلك الرغبة فى إحراز السلامة الشخصية تعرض البلاد
جملة لخطر جارف . ولهذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” . . . ما من عبد يكون في
بلد فيه الطاعون ، فيمكث فيه لا يخرج صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له ، إلا
كان له مثل أجر شهيد ” . وربما حاول بعض المغامرين أن يسافر إلى البلد الموبوء ، وقد يحتج بأن
الخوف من العدوى ضعف في اليقين ، أو هروب من القضاء المحتوم. وهذا خطأ ، فإن عمر بن الخطاب
رفض السفر إلى الشام لما ظهر فيها من الطاعون فقيل له: تفر من قدر الله ؟ قال: نفر من قدر الله
إلى قدر الله . إن الأخذ بالأسباب حق ، وهو من القدر كما يقول عمر ،وقد شرع الإسلام التحرز من
العدوى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يوردن ممرض على مصح ” . وقال: ” فر
من المجذوم فرارك من الأسد ” . وإنه ، وإن كانت العدوى حقا ، إلا أننا يجب أن نعرف أنه ليست كل
عدوى تصيب ،فقد يحمل الشخص جرثومة المرض ولا يُصاب به ،لأن فيه مناعة خاصة ،بل قد ينجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــو

منه وينقله إلى غيره !! ولو أن كل عدوى تصيب لهلك أهل الأرض فى يوم واحد ، فهناك كما يقول
الأطباء ظروف معقدة للإصابة عن طريق العدوى. وهذا معنى الحديث : ” لا عدوى.. “. وليس
النفى منصبا على إنكار حقيقة العدوى ، لأن آخر الحديث يمنع ذلكّ ، وهو قول الرسول صلى الله
عليه وسلم بعد ذلك مباشرة: “.. وفرّ من المجزوم فرارك من الأسد”

صفحات: 1 2 3

مقالات ذات صله